فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر}.
لما بين أنواع نعمه تعالى على بني إسرائيل بإهلاك عدوّهم اتبع بالنعمة العظمى من إراءتهم هذه الآية العظيمة وقطعهم البحر مع السلامة والبحر بحر القلزم، وأخطأ من قال إنه نيل مصر ومعنى {جاوزنا} قطعنا بهم البحر يقال جاوز الوادي إذا قطعه والباء للتعدية يقال جاوز الوادي إذا قطعه، وجاوز بغيره البحر عبر به فكأنه قال وجزنا ببني إسرائيل أي أجزناهم البحر وفاعل بمعنى فعل المجرد يقال جاوز وجاز بمعنى واحد، وقرأ الحسن وابراهيم وأبو رجاء ويعقوب وجوزنا وهو مما جاء فيه فعل بمعنى فعل المجرد نحو قدّر وقدر وليس التضعيف للتعدية روي أنه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراء بعدما أهلك الله فرعون وقومه فصاموا شكرًا لله وأعطى موسى التوراة يوم النحر فبيّن الأمرين أحد عشر شهرًا.
{فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} قال قتادة وأبو عمرو الجوني: هم من لخم وجذام كانوا يسكنون الرّيف، وقيل: كانوا نزولًا بالرقة رقة مصر وهي قرية بريف مصر تعرف بساحل البحر يتوصل منها إلى الفيّوم، وقيل: هم الكنعانيون الذين أمر موسى بقتالهم ومعنى {فأتوا} فمروا يقال أتت عليه سنون، ومعنى {يعكفون} يقيمون ويواظبون على عبادة أصنام، وقرأ الأخوان وأبو عمر وفي رواية عبد الوارث بكسر الكاف وباقي السبعة بضمها وهما فصيحتان والأصنام قيل: بقر حقيقة.
وقال ابن جريج كانت تماثيل بقر من حجارة وعيدان ونحوه وذلك كان أول فتنة العجل.
{قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} الظاهر أن طلب مثل هذا كفر وارتداد وعناد جروا في ذلك على عادتهم في تعنتهم على أنبيائهم وطلبهم ما لا ينبغي وقد تقدّم من كلامهم {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} وغير ذلك مما هو كفر، وقال ابن عطية: الظاهر أنهم استحسنوا ما رأوا من آلهة أولئك القوم فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرّب به إلى الله تعالى وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى {اجعل لنا إلهًا} نفرده بالعبادة انتهى وفي الحديث مروا في غزوة حنين على روح سدرة خضراء عظيمة فقيل يا رسول الله إجعل لنا ذات أنواط وكانت ذات أنواط سرحة لبعض المشركين يعلقون بها أسحلتهم ولها يوم يجتمعون إليها فأراد قائل ذلك أن يشرع الرسول ذلك في الإسلام ورأى الرسول عليه السلام ذلك ذريعة إلى عبادة تلك السرحة فأنكره وقال: «الله أكبر قلتم والله كما قال بنو إسرائيل» {اجعل لنا إلهًا} خالقًا مدبرًا لأن الذي يجعله موسى لا يمكن أن يجعله خالقًا للعالم ومدبّرًا فالأقرب أنهم طلبوا أن يعين لهم تماثيل وصورًا يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى وقد حكى عن عبادة الأوثان قولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وأجمع كلّ الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله كفر سواء اعتقد كونه إلهًا للعالم أو أن عبادته تقرب إلى الله انتهى، ويظهر أن ذلك لم يصدر من جميعهم فإنه كان فيهم السبعون المختارون ومن لا يصدر منه هذا السؤال الباطل لكنه نسب ذلك إلى بني إسرائيل لما وقع من بعضهم على عادة العرب في ذلك وما في {كما} قال الزمخشري كافة للكاف ولذلك وقعت الجملة بعدها وقال غيره موصولة حرفية أي كما ثبت لهم آلهة فتكون قد حذف صلتها على حدّ ما قال ابن مالك في أنه إذا حذفت صلة ما فلابد من إبقاء معمولها كقولهم لا أكلمك ما إن في السماء نجمًا أي ما ثبت أن في السماء نجمًا ويكون {آلهة} فاعلًا يثبت المحذوفة، وقيل: موصولة اسمية ولهم صلتها والضمير عائد عليها مستكن في المجرور والتقدير كالذي لهم وآلهة بدل من ذلك الضمير المستكنّ.
{قال إنكم قوم تجهلون} تعجب موسى عليه السلام من قولهم على أثر ما رأوا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ووصفهم بالجهل المطلق وأكده بأن لأنه لا جهل أعظم من هذه المقالة ولا أشنع وأتى بلفظ {تجهلون} ولم يقل جهلتم إشعارًا بأن ذلك منهم كالطبع والغريزة لا ينتقلون عنه في ماض ولا مستقبل. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله عز وجل: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسراءيل البحر}.
شروعٌ في قصة بني إسرائيلَ وشرحِ ما أحدثوه من الأمور الشنيعةِ بعد أن أنقذهم الله عز وجل من مَلَكة فرعون ومنّ عليهم من النعم العظامِ الموجبةِ للشكر وأراهم من الآيات الكبارِ ما تخِرّ له شمُّ الجبال تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيقاظًا للمؤمنين حتى لا يغفُلوا عن محاسبة أنفسِهم ومراقبةِ أحوالِهم. وجاوز بمعنى جاز، وقرئ {جوّزنا} بالتشديد وهو أيضًا بمعنى جاز فعُدّي بالباء أي قطعنا بهم البحر. روي أنه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراءَ بعد ما أهلك الله تعالى فرعون فصاموه شكرًا لله عز وجل: {فَاتُواْ} أي مروا {على قَوْمٍ} قيل: كانوا من لَخْمٍ، وقيل: من العمالقة الكنعانيين الذين أُمر موسى عليه السلام بقتالهم {يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ} أي يواظبون على عبادتها ويلازمونها، وقرئ بكسر الكاف، قال ابن جريج: كانت أصنامُهم تماثيلَ بقرٍ وهو أولُ شأن العجل: {قَالُواْ} عندما شاهدوا أحوالَهم {ياموسى اجعل لَّنَا إلها} مثالًا نعبُده {كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} الكافُ متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً لإلها وما موصولة ولهم صلتها وآلهة بدل من وما والتقدير اجعل لنا إلها كائنًا كالذي استقر هو لهم {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تعجب عليه السلام من قولهم هذا إثرَ ما شاهدوا من الآية الكبرى والمعجزةِ العُظمى فوصفهم بالجهل المطلقِ إذ لا جهل أعظمُ مما ظهر منهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَجَاوَزْنَا ببَني إسْرَائيلَ البحر}.
شروع بعد انتهاء قصة فرعون في قصة بني إسرائيل وشرح ما أحدثوه بعد أن من الله تعالى عليهم بما من واراهم من الآيات ما أراهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه من اليهود بالمدينة فإنهم جروا معه على دأب أسلافهم مع أخيه موسى عليه السلام وإيقاظًا للمؤمنين أن لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة نعم الله تعالى عليهم فإن بني إسرائيل وقعوا فيما وقعا لغفلتهم عما من الله تعالى به عليهم، وجاوز بمعنى جاز وقرئ {جوزنا} بالتشديد وهو أيضًا بمعنى جاز فعدى بالباء أي قطعنا البحر بهم، والمراد بالبحر بحر القلزم.
وفي مجمع البيان أنه نيل مصر وهو كما في البحر خطأ، وعن الكلبي أن موسى عليه السلام عبر بهم يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصاموه شكرًا لله تعالى: {فَأَتَوْا} أي مروا بعد المجاوزة.
{عَلَى قَوْم} قال قتادة: كانوا من لخم اسم قبيلة ينسبون كما صححه ابن عبد البر إلى لخم بن عدي بن عمرو بن سبا، وقيل: كانوا من العمالقة الكنعانيين الذين أمر موسى عليه السلام بقتالهم.
{يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَام لَهُمْ} أي يواظبون على عبادتها ويلازمونها، وكانت كما أخرج ابن المنذر.
وغيره عن ابن جريج تماثيل بقر من نحاس، وهو أول شأن العجل، وقيل: كانت من حجارة، وقيل: كان بقرًا حقيقة وقرأ حمزة.
والكسائي {يعكفون} بكسر الكاف {قَالُوا} عندما شاهدوا ذلك {يَا مُوسَى اجعل لَنَا إلَهًا} مثالًا نعبده {كَمَا لَهُمْ ءَالهَةٌ} الكاف متعلقة بمحذوف وقع صفة لإلها و{ما} موصولة و{لهم} صلتها و{آلهة} بدل من الضمير المستتر فيه، والتقدير اجعل لنا إلها كائنًا كالذي استقر هو لهم.
وجوز أبو البقاء أن تكون ما كافة للكاف، ولذا وقع بعدها الجملة الإسمية وأن تكون مصدرية، ولهم متعلق بفعل أي كما ثبت لهم {قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تعجب عليه السلام من قولهم هذا بعدما شاهدوه من الآية الكبرى والبينة العظمى فوصفهم بالجهل على أتم وجه حيث لم يذكر له متعلقًا ومفعولًا لتنزيله منزلة اللازم أو لأن حذفه يدل على عمومه أي تجهلون كل شيء فدخل فيه الجهل بالربوبية بالطريق الأولى، وأكد ذلك بأن، وتوسيط قوم وجعل ما هو المقصود بالأخبار وصفًا له ليكون كما قال العلامة كالمتحقق المعلوم وهذه كما ذكر الشهاب نكتة سرية في الخبر الموطىء لادعاء أن الخبر لظهور أمره وقيام الدليل عليه كأنه معلوم متحقق فيفيد تأكيده وتقريره ولولاه لم يكن لتوسيط الموصوف وجه من البلاغة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ}.
لما تمت العبرة بقصة بعث موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه، وكيف نصره الله على عدوه، ونصر قومه بني إسرائيل، وأهلك عدوهم كشأن سنة الله في نصر الحق على الباطل، استرسل الكلام إلى وصف تكوين أمة بني إسرائيل وما يحق أن يعتبرَ به من الأحوال العارضة لهم في خلال ذلك مما فيه طمأنينةُ نفوس المؤمنين الصالحين في صالح أعمالهم، وتحذيرهم مما يرمي بهم إلى غضب الله فيما يحقرون من المخالفات، لما في ذلك كله من التشابه في تدبير الله تعالى أمور عبيده، وسنته في تأييد رسله وأتباعهم، وإيقاظ نفوس الأمة إلى مراقبة خواطرهم ومحاسبة نفوسهم في شكر النعمة ودحض الكفران.
والمجاوزة: البعد عن المكان عقب المرور فيه، يقال: جَاوز بمعنى جاز، كما يقال: عَالى بمعنى علا، وفعله متعد إلى واحد بنفسه وإلى المفعول الثاني بالباء فإذا قلت: جُزتُ به، فأصل معناه أنك جزته مصاحبًا في الجواز به للمجرور بالباء، ثم استعيرت الباء للتعدية يقال: جُزت به الطريق إذا سهلت له ذلك وإن لم تسر معه، فهو بمعنى أجزته، كما قالوا: ذَهبت به بمعنى أذهبته، فمعنى قوله هنا: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} قدرنا لهم جَوازه ويسرّناه لهم.
والبحر هو بحر القُلْزُم المعروف اليوم بالبحر الأحمر وهو المراد باليمّ في الآية السابقة، فالتعريف للعهد الحضوري، أي البحر المذكور كما هو شأن المعرفة إذا أعيدت معرفة، واختلاف اللفظ تفنن، وتجنبًا للإعادة، والمعنى: أنهم قطعوا البحر وخرجوا على شاطئه الشرقي.
و{أتوا على قوم} معناه أتَوْا قومًا، ولما ضمن {أتَوْا} معنى مروا عدي بعلى، لأنهم لم يقصدوا الإقامة في القوم، ولكنهم ألْفَوهم في طريقهم.
والقوم هم الكنعانيون ويقال لهم عند العرب العمالقةُ ويعرفون عند متأخري المؤرخين بالفنيقيين.
والأصنام كانت صُورَ البقر، وقد كان البقر يعبد عند الكنعانيين، أي الفنيقيين باسم بَعل، وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى: {ثم اتخذتم العجل من بعده} في سورة البقرة (51).
والعُكوف: الملازمة بنية العبادة، وقد تقدم عند قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} في سورة البقرة (187)، وتعدية العكوف بحرف على لما فيه من معنى النزول وتمكنه كقوله: {قالوا لن نبرح عليه عاكفين} [طه: 91].
وقرئ {يعكفون} بضم الكاف للجمهور، وبكسرها لحمزة والكسائي، وخَلف، وهما لغتان في مضارع عَكف.